الأحد، 29 ديسمبر 2013

الاناقة في تقديم اكواب عصير البرسيم

من مذكرات شاهد عيٌان (شفاه وعافاه) وهو نفسه شاهد على العصر قبيل المغرب عند الأصيل (3): يحلو لنا التباهي بلغتنا العربية ونسارع الى ترديد ما نسمعه من إحصاءات تدل على انها اغنى اللغات بالمفردات التي تعطي المعاني الدقيقة والمباشرة لما يراد التعبير عنه. وهذا هو ما ميز العرب بالبلاغة والفصاحة. فالنار والعين والأسد والمطر مثلا لها عشرات الأسماء التي تصف بدقة عن حالات تحتاج الى عدة كلمات في اللغات الأخرى. ومع هذا فإننا نتعثر في كثير من الكلمات التي نرددها بشكل يومي في غير معناها وبدون مبرر ومن اخطرها كلمة الاستعمار. الاستعمار مزية خص الله تعالى بها الانسان عندمه استعمره على الأرض. اما ما نقصده عادة فذلك الفعل من الاعتداء والاحتلال والاستغلال والسرقة والخراب والتحكم والقهر والعلاقات غير المتوازنة والتي تصب لصالح المعتدي. ومع اني لست مختصا باللغة العربية لإيجاد الكلمة الادق تعبيرا فاني أرى اقربها هي كلمة الاستحمار بإبدال العين بحاء.. بدأ المفهوم المعاصر للاستحمار في القرن التاسع عشر عندما تسابقت الأمم الصناعية الى السيطرة على الموارد الطبيعية من فحم وبترول ومعادن والسيطرة على الاسواق لترويج بضائعها. ومن اشهر أدوات الاستحمار شركة الهند الشرقية ومثيلاتها ثم الأجيال اللاحقة الا ان وصلنا الشركات الكبرى الحالية. بطبيعة الحال فان المستحمر (اسم فاعل) بذل بعض الجهود مما يقع في بند العمران الا ان ذلك كان فقط فيما يخدم مصلحته. ومع ان مفهوم الاستحمار تطور كثيرا فان الهدف ما زال نفسه. وهو السيطرة على الموارد الطبيعية (المواد الخام) وفتح الأسواق لمنتجات الطرف القوي تحت عناوين التجارة الحرة والملكية الفكرية والعولمة والخصخصة والتحكم في السياسات الحكومية عن طريق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. وإرضاء للحكومات فقد اخترعوا مبدأ ضريبة المبيعات مقابل فتح السوق وتشجيع الاستهلاك. المهم مصلحة الأطراف القوية على حساب الضعيف أي زائر لأي من الاحياء الشعبية سيلاحظ الكم الهائل من السيارات الخاصة التي تملأ شوارعها الضيقة والتي اضطر الأهالي لامتلاكها على الرغم من ارتفاع كلفتها ومضارها وعدم مناسبة الطريق لها لسبب رئيسي هو عدم وجود مواصلات عامة محترمة مضمونة في الأوقات المناسبة و بأسعار مناسبة. اليس هذا نوع من التحكم الاجباري. ليس فقط في بلدنا هذا بل في كل الدول الواقعة تحت الاستحمار الحديث. اليست مؤامرة محبوكة لصالح الأطراف الاستحمارية. اما المثل الثاني فهو القمح. هذا المنتج الذي تخصصنا به بل انا اخترعناه يفرض علينا استيراده ويدفع لنا مصدروه بعض العون للحكومات مقابل ان تتحمل فرق كلفة بيعه بسعر مخفض والذي يعني ببساطة قتل الإنتاج المحلي بيد الحكومات ذاتها. اليس هذا استحمارا. هل اعطيك امثلة أخرى؟. انظر حولك تجد الاستحمار في كل مناحي الحياة. و لا يغرنك الاناقة في تقديم اكواب عصير البرسيم من حين لآخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق